في خطوة لافتة، أعاد جون بولتون، المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي، إحياء النقاش الدولي حول الصحراء الغربية من خلال مقال تحليلي نشرته صحيفة “واشنطن تايمز”، شدد فيه على ضرورة أن تدعم الولايات المتحدة استفتاءً حقيقيًا يتيح للصحراويين تقرير مصيرهم. تأتي هذه الدعوة في لحظة جيوسياسية دقيقة، حيث تتقاطع قضايا السيادة والاستقرار في شمال إفريقيا مع تصاعد النفوذ الصيني والروسي في القارة السمراء.
جذور النزاع: استعمار وإرث من التردد الدولي
تعود جذور القضية إلى تخلّي إسبانيا عن الصحراء الغربية بعد وفاة فرانكو عام 1975، تاركة فراغًا ملأته طموحات إقليمية مغربية وموريتانية. وبينما انسحبت موريتانيا لاحقًا، فرض المغرب سيطرته على غالبية الأراضي، مقابل إدارة جبهة البوليساريو لأجزاء من المنطقة انطلاقًا من تندوف الجزائرية.
ورغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار عام 1991، والذي تبنّته الأمم المتحدة لإنجاز استفتاء تقرير المصير، عرقل المغرب مرارًا تنفيذ هذا المسار، خوفًا من نتائج قد لا تخدم أجندته التوسعية.
التحولات الإقليمية والدولية: الجزائر شريك استراتيجي جديد؟
يرى بولتون أن الجزائر، بدعمها المتواصل للبوليساريو، بدأت تنسج تحالفات استراتيجية جديدة مع الغرب، من بينها اتفاقية تعاون عسكري مع الولايات المتحدة. ويُرجّح أن تكون هذه الشراكات دافعًا لواشنطن لإعادة تقييم موقفها من الصراع، خاصة وأن الصحراء الغربية تُمثّل بؤرة قابلة للانفجار وسط توترات إقليمية بين الجزائر والمغرب.
تشويه الحقائق والتلويح بفزاعة إيران
يحذر بولتون من الحملات الإعلامية التي تحاول الربط بين البوليساريو وإيران، وهي مزاعم نفتها جبهة البوليساريو وسوريا بشدة، ووصفها بولتون بأنها محاولات لصرف الانتباه عن تعطيل المغرب المستمر للاستفتاء. كما رفضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هذه الادعاءات، مؤكدة على الطبيعة المعتدلة للصحراويين.
دعوة لإحياء الالتزام الأمريكي
يشير بولتون إلى ضرورة العودة للسياسات الأمريكية الأصلية الداعمة لحق تقرير المصير، داعيًا أعضاء الكونغرس لزيارة مخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف للوقوف على الواقع الإنساني والسياسي عن كثب. ويرى أن الدعم الدولي لاستفتاء نزيه قد يكون مفتاحًا لتحقيق تسوية عادلة تنهي عقودًا من الجمود.
تشكّل دعوة بولتون دعمًا مهمًا للموقف الصحراوي، وتسلّط الضوء على تقاعس المجتمع الدولي في إنهاء واحدة من أقدم قضايا الاستعمار. فهل تعود واشنطن إلى التزامها القديم؟ أم يظل الحق الصحراوي معلقًا في ميزان المصالح؟