بين الواقعية السياسية واستحقاقات التحرر: المشروع الوطني الصحراوي في مفترق طرق

تيرس نيوز

Updated on:

امرأة صحراوية ترتدي ملحفة تقف في الصحراء وترفع علم الجمهورية الصحراوية

تشهد السياسة الدولية اليوم تغيرات جذرية قلبت موازين الفعل السياسي وطرق التأثير، حيث لم تعد القضايا العادلة تحظى بمكانتها من حيث المبدأ، بل باتت تُقاس بمدى انسجامها مع مصالح القوى الكبرى. وسط هذا المشهد، يبدو المشروع الوطني الصحراوي أمام تحدٍ استراتيجي: كيف يحافظ على ثوابته، ويطوّر أدواته، ليبقى فاعلًا في زمن لا يرحم الثابتين؟

1. عدالة لا تكفي وحدها: عندما تغترب القضايا العادلة

رغم وضوح وعدالة القضية الصحراوية من منظور القانون الدولي والتاريخ، إلا أن هذا لا يشكّل عاملًا حاسمًا في معادلات القوة العالمية. النظام الدولي لم يعد يُنصت لصوت الضحية، بل يبحث عن شركاء يمكنهم ترجمة مظلوميتهم إلى مصالح مشتركة وقيمة مضافة في ملفات الأمن والاقتصاد.

2. غياب في نادي الكبار: أزمة تموضع لا أزمة شرعية

الواقع أن المشروع الوطني لم ينجح حتى الآن في بناء تحالفات استراتيجية مع قوى فاعلة داخل مجلس الأمن. ليس بسبب ضعف الحجة، بل لغياب استراتيجية مصالح متبادلة تجعل من دعم القضية استثمارًا لا مجرّد تعاطف. هذا الإخفاق يكشف عن عجز في فهم منطق النظام الدولي وآلياته.

3. الجزائر… عمق استراتيجي لا بديل عنه، لكن!

الدعم الجزائري المتين يظل ركيزة أساسية، لكن الاكتفاء به وحصر التحالفات ضمن “المعسكر التقليدي” أضر بالتمدد الدولي للقضية. العالم تغيّر، والانفتاح المدروس على شركاء جدد بات ضرورة تفرضها المرحلة، لا خيانة للمبادئ.

4. اختبار الجاذبية: ماذا يريد جيل اليوم؟

جيل المخيمات والشتات، وحتى من هم تحت الاحتلال، يتساءلون اليوم عن جدوى مشروع لا يُنتج أفقًا سياسيًا ملموسًا. غموض في الرؤية، وركود في الأداء، وغياب للشفافية… كلها عوامل تضع الشرعية النضالية في مواجهة أسئلة صعبة. وأخطر ما في الأمر هو الصمت.

5. بين الواقعية والانقراض السياسي: لا مجال للجمود

الواقعية لا تعني التخلي عن المبادئ، بل الانخراط الذكي في الزمن الراهن، وتطوير الخطاب السياسي، وتفعيل الدبلوماسية الديناميكية، والقدرة على اجتراح فرص من رحم التعقيد. الجمود السياسي أخطر من الاحتلال ذاته، لأنه يحوّل مشروع التحرر إلى ذكرى.

التحرر لا يُنجز بالحنين بل بالفعل

تجاوز حالة الانتظار وتكرار الشعارات بات ضرورة تاريخية. فالشعوب لا تنتصر فقط بعدالة قضيتها، بل بجرأة قيادتها، ووعي أبنائها، ومرونة استراتيجياتها. المشروع الوطني الصحراوي بحاجة اليوم إلى نهضة داخلية توازي صموده الخارجي؛ نهضة تؤمن بأن زمن التحرر لا يُؤخذ بل يُنتزع.