بعد أن فشلت دعاية “الحكم الذاتي” في إقناع حتى أكثر العقول بساطة، وبعد أن تبين أن عواصم العالم ليست سوقًا أسبوعيًا يمكن شراء مواقفها بخيمة وراية وبيان غامض، قرر وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أن ينتقل إلى مرحلة جديدة من العبث الدبلوماسي: “حرب الخرائط”! نعم، يبدو أن السيد بوريطة قرر خوض معركته النهائية مع الأطلس المدرسي وقوقل مابس وخرائط الأمم المتحدة. والهدف؟ إقناع البشرية جمعاء أن الصحراء الغربية جزء من المغرب… فقط لأن الرباط تريد ذلك!
وفي جلسة برلمانية أخيرة، وقف بوريطة مزهوًا كمن اكتشف الخريطة لأول مرة، ليُبشر النواب والشعب بـ”فتح جديد” يتمثل في قيام بعض المواقع الدولية بحذف الحدود الفاصلة بين المغرب والصحراء. ومن الواضح أن الوزير بات يرى في تعديل خريطة على الإنترنت انتصارًا يوازي توقيع اتفاق سلام، ناسياً أن القانون الدولي لا يُمسح بـ”الممحاة الرقمية”. ولأن سياسة فتح “الأكشاك القنصلية” في المدن المحتلة لم تُثمر سوى صور باهتة لمسؤولين من دول مجهولة واخرى متواطئة ممولة للمخزن وهم يقصّون شرائط حمراء أمام مقرات مغلقة،، قررت الخارجية المغربية الانتقال إلى “المرحلة الثانية من الهذيان الجغرافي”: إقناع العالم بالخرائط! وفي تصريحاته له امام البرلمان المغربي ، عاد بوريطة ليحتفي بهذه “الانتصارات الخريطية”، وكأن حذف خط ترسيمي في موقع سياحي هو بمثابة تغيير في ميثاق الأمم المتحدة!
الاستراتيجية واضحة: كلما فشل مشروع، يُعلن النظام بداية مشروع أكثر هزالًا منه. من “الحكم الذاتي التاريخي” إلى “الأكشاك الدبلوماسية”، وها نحن الآن في “مرحلة الجغرافيا الافتراضية”. قريبًا قد نسمع عن اعتراف كوكب المريخ بمغربية الصحراء بعد اكتشاف خريطة مزورة في أحد المسابير الفضائية!
لكن الواقع لا يُمحى بخطاب، ولا تُصنع الشرعية بحذف خط حدودي. ومع كل هذا الصخب، يبقى علم الجمهورية الصحراوية يرفرف في الاتحاد الإفريقي، وتبقى الأمم المتحدة مصرة على حق تقرير المصير، ويستمر الاحتلال في السقوط الحر… من الكشك إلى الكارتوغرافيا .