في مشهد ينتمي إلى روايات ما بعد الكارثة ، قضى سكان دوار “إين بوكماز” ليلتين في العراء، بعد أن قطعوا مسافات طويلة سيراً على الأقدام، حاملين معهم ما تبقى من الكرامة، في محاولة لإيصال أصواتهم التي يبدو أنها لا تلتقطها لا شبكة الهاتف ولا شبكة المسؤولين. مطالبهم؟ لا شيء أكثر من الحد الأدنى: توسيع الطريق، تغطية الدواوير بشبكة الهاتف والإنترنت، وتعيين طبيب بالمركز الصحي.
مطالب بسيطة في بلد تُخصص فيه الملايين لصناعة فيديوهات دعائية تتحدث عن “المغرب الرقمي”، بينما لا تصل المكالمات فيه إلى دواوير بكاملها! في نشرة أخبار القناة الأولى المغربية ، قد يُخيل إليك أن المغرب وصل إلى المريخ، بفضل الرؤية السديدة، والبرامج التنموية، والاستثمارات الضخمة، و”الاهتمام بالعالم القروي”… لكن الحقيقة أن ساكنة إين بوكماز لا تزال تعاني من صعوبة الوصول إلى أقرب مركز صحي، فيضطر المريض إلى “تحميل” نفسه على بغل، لأن الإسعاف لا يعرف طريق الجبال، ولأن المخزن لم يحدث بعد التطبيق الذي يُمكنك من استدعاء طبيب في قرية منسية.
أما عن الطريق، فهي بالكاد تُسمى كذلك. طريق تكفي لتفهم معنى “العزلة المركبة”: عزلة عن العالم، وعزلة عن الدولة، وعزلة عن الاهتمام الإعلامي، اللهم إذا تعلق الأمر بتمرير خطاب رسمي أو تصوير فيديو من درون في موسم الانتخابات. بالمقابل، نجد في الدار البيضاء والرباط مدناً ذكية، وطرقات ذكية، وربما يوماً ما ستُنشأ وزارة “الذكاء الاصطناعي لحل مشاكل الذكاء الطبيعي”، بينما أطفال “إين بوكماز “لا يعرفون بعد طعم شبكة الواي فاي. الساكنة خرجت في مسيرة سلمية، لم تطلب تغيير النظام، ولا إصلاح الدستور، فقط طلبت من “المخزن العظيم” أن ينظر إلى خريطته قليلاً، ليكتشف أن هناك بشراً يعيشون في دواويره ، المخزن مشغول جداً: يُجهز قمرًا صناعيًا جديدًا، ويُغرد عن القمة المناخية، ويُنظم مهرجانًا عن “التحول الرقمي”، بينما المواطن في إين بوكماز لا يطلب سوى تحويل بسيط: من التجاهل إلى الاستماع، ومن التهميش إلى التفاعل و بالتاكيد ستقبى بوكماز كغيرها من القرى المغربية في “وضعية الطيران” خارج تغطية الدولة؟