لم تكن واقعة إخراج المعتقل السياسي ناصر الزفزافي لحضور جنازة والده مجرّد بادرة إنسانية، كما حاولت السلطة المغربية تسويقها، بل كانت حلقة جديدة في مسلسل المناورات الدعائية للمخزن، الذي اعتاد الاستثمار في المآسي لصنع بطولات وهمية وتلميع وجهه القمعي.
منذ اللحظة الأولى، بدا واضحًا أنّ الهدف لم يكن إنصاف عائلة فقدت معيلها، بل إعادة تدوير ملف الزفزافي كورقة ضغط سياسية: ضغوط، إغراءات، ووعود مبطنة بالإفراج المشروط، مقابل تليين المواقف والتهجم على الصحراويين، في انسجام تام مع الرواية الرسمية. هذا الأسلوب ليس جديدًا؛ المخزن يتقن لعبة التلاعب بالعواطف الجماعية، وتوظيف الأحداث الإنسانية لصرف الأنظار عن جوهر الأزمة: غياب العدالة والحرية في الريف.
كيف يمكن لنظام رفع دعوى قضائية ضد والد الزفزافي لأنه تحدث عن معاناة ابنه داخل السجن ، أن يتحول فجأة إلى راعٍ لحقوقه الإنسانية؟ الشارع الريفي أجاب بوضوح. الحسيمة، إمزورن، بني بوعياش، شهدت احتجاجات ومواجهات مع قوات الأمن، أكدت أن ذاكرة الحراك لا تُشترى ولا تُباع، وأن الجماهير باتت تدرك أن كل خطوة محسوبة تأتي في سياق إستراتيجية أكبر: احتواء الحراك، تفكيك رموزه، وإعادة كتابة التاريخ على مقاس السلطة.
المخزن يراهن على عامل الوقت وعلى إنهاك الناس بالملاحقات والقمع والتضليل الإعلامي، لكنه ينسى أن الوعي الجمعي في الريف بات أعمق من أن يُخدع بخطابات إنسانية مزيفة. ما جرى لم يكن مبادرة كرم، بل محاولة مكشوفة لتلميع نظام يرفض المراجعة والمحاسبة، ويفضل المقايضة على المصالحة.